فريدة البليدة
فريدة امرأة متزوجة من حسن منذ أربعة عشرة عاماً ولديها منه طفلان، قبل زواجها ورّثها والدها أرضاً زراعية كبيرة ممّا جعل حسن يتقدم لخطبتها طمعاً بها.
بعد زواجها قرّرت فريدة أن تسلّم هذه الأرض لزوجها ليزرعها ويهتم بها، فقرّر زراعتها بالتمور وبعد سنوات أصبحت تأتي كمية كبيرة من الثمار؛ ممّا جعله يعمل في بيع منتوجاتها في السوق المحلي وتصديرها خارج البلاد، وكلّ ذلك أدى إلى زيادة دخلهما الماديّ بشكل كبير، لذلك كانت فريدة تثق به ثقة عمياء، فجزء كبير من أموالها الواردة من الأرض تُعطيها له كونه هو من زرعها لها ويقوم بالاهتمام بها وحده، بينما باقي الواردات تأخذها هي.
كانت اهتمامات فريدة تقتصر على الاهتمام بشؤون منزلها، ورعاية أطفالها، وتفكيرها يتمحور فقط حول ماذا ستُطعم عائلتها يومياً، وكلما أقبل حسن يتحدّث معها في أيّ موضوع كانت تسكته لتخبره عن مشاكل جاراتها، وأولادهن وما إلى ذلك من أمور، وهو ما كان يخجله من حضورها معه في المناسبات الاجتماعية، كونها لا تعرف التحدث أمام الناس ومجاراتهم، وإن فعلت يكون حديثها مقتصراً على النميمة، أو الاستهزاء بالناس لا غير..
كان حسن يضع مجهوده كلّه في السعي نحو زيادة منتوجات الأرض الزراعية من التمور، وهو ما دفعه لمشاركة صديقه علي في رأس المال لعلّه يزيد الإنتاج لكنه قبل هذا ذهب لزوجته واستشارها بذلك الأمر، والتي اقتربت منه ووضعت يدها على كتفه وقالت: عزيزي، أثق بك ثقة عمياء فافعل ما شئت، فأنا أعلم أنك تريد مصلحتي.
قال لها: بالطبع، لكن أحببت أن أخبركِ بذلك لكي تبقي مطّلعة على كل شيء.
ثم ذهب للقاء صديقه علي وأخبره أنه على استعداد لمشاركته بعد أن وافقت زوجته، وبعد مدّة بدأت الأرض بالنمو والازدهار أكثر من السابق ممّا زاد محصولها الزراعي بشكل مضاعف، وفي نهاية الشهر وبعد عملية الجرد والحساب لاحظ أن الدخل الصافي من مردودها المادي قد ازداد بشكل كبير، وعندها أعطى صديقه علي حصته كاملةً، ولمّا قام بتجهيز النقود لإعطائها لزوجته توقف لثوانٍ، ثم بدأ يفكّر ألّا يعطيها حصتها كاملة بعد الزيادة الجديدة عليها فهي لن تشعر بذلك، وعندما وصل
قال لها مرتبكاً: هذه حصتك لهذا الشهر فهي لم تزد عن الشهر الماضي بالرغم من شراكتي الجديدة مع علي، فالمصروفات تتزايد.
أخذت النقود منه وقالت له: لا بأس، فأنا لم أسألك عن ذلك.
حينها تأكد حسن أنّ زوجته لا تكترث لتفاصيل عمله ولا لكمية الأموال التي يجنيها، فقرر أن يأخذ كل شهر الأرباح الإضافية على أموالها التي يُعطيها لها كما فعل مؤخراً وبالفعل حدث ذلك فيما لم تكن هي تسأل عن شيء، وبعد مرور مدة من الزمن جمّع مبلغاً كبيراً من المال مما جعله يشتري أرضاً زراعية جديدة قام بتسجيلها باسمه دون أن يُخبر بها أحداً، ثم قام بعد ذلك بزراعتها بأصناف متنوعة من الثمار كرّس كلّ وقته للاهتمام بها، بينما اضطر لإهمال أرض زوجته الزراعية، وترك زراعتها لصديقه علي، وبعد فترة من الزمن أدى ذلك إلى تراجع محصولها الزراعي وبالتالي انخفاض مردودها المادي، وفي نهاية الشهر ذهب إلى زوجته وأخبرها بذلك وهو متردد وخائف من ردة فعلها، إلا أنها لم تكترث بل قامت بمواساته وطلبت منه عدم الحزن على ذلك، صُدم حسن من عدم اكتراثها مما جعله مطمئناً أكثر لما يفعل، خاصة وأنّ أمره لن يُكشف أمامها.
صحوة فريدة
في أحد الأيام عُرضت على حسن صفقة كبيرة في أرضه الزراعية الجديدة لكنها كانت تحتاج إلى الكثير من المال لإتمامها، وذلك يستدعي أن يؤمنها سريعاً وإلّا فسيخسرها، فكّر حسن في كيفية حصوله على المال كونه لا يمتلك سيولة كافية، وعندها حاول أن يفكّر في حيلة تجعل زوجته تبيع أرضها، ليأخذ ثمنها منها إلى أن قرر أن يقوم بدعوة زوجته للعشاء خارج المنزل وإقناعها بعدم جدوى امتلاك الأرض، ولمّا اقترح عليها ذلك قالت له: لا داعي لذلك، لنأكل في منزلنا فأنا أطهو طعاماً أشهى بكثير من هذه المطاعم.
اقترب منها وقال: ليس هدفي الطعام، بل أريد أن نخرج سوياً.
استغربت وقالت: لقد أمضينا طوال فترة زواجنا لم نخرج وحدنا، ماذا خطر لك الآن؟
أمسك يدها وقال لها: لقد شعرت أنكِ متعبة جداً منذ فترة لذا أحببت أن أرفّه لكِ عنك قليلاً.
فرحت فريدة كثيراً عندما سمعت ذلك، وشكرته على اهتمامه بها، وأخبرته أنها ممتنة كثيراً لذلك، لقد كانت هذه المرة الأولى لفريدة التي تكترث لشيء يفعله زوجها لها، عندها شعر حسن أن زوجته بدأت تتغيّر نحو الأفضل معه، لذا قرر تأجيل طلبه ببيع أرضها وخرجا للعشاء معاً دون أن يفاتحها بالموضوع، وعند عودته بقي طوال الليل يفكّر كيف يخبرها بأنه بحاجة للنقود، لذلك وفي صباح اليوم التالي استيقظ مبكراً وقام بتحضير وجبة الفطور لهما، وعندما استيقظت استغربت وسألته عن السبب وراء ذلك، فردّ عليها قائلاً: أحببت أن أُفاجئك.
فرحت فريدة كثيراً وشكرته على ذلك وأثناء تناولهما الطعام نظر لها وقام بوضع لقمة في فيها وقال: أنا بحاجة إلى بعض النقود يا زوجتي العزيزة، وكنت سأقترح عليكِ أن...
وقبل أن يكمل حديثه ذهبت إلى درجها وأحضرت له رزمة كبيرة من النقود، وجاءت مسرعة وقالت له: هذه لك.
نظر باستغراب وقال لها: من أين جئت بها؟
فأخبرته بأنها تقوم بادخارها منذ سنوات وأنها من الآن له.
فرح حسن كثيراً خاصة أنها أعطتها له قبل أن يطلب منها بيع أرضها، وبعد عدّة أيام دخل المنزل وسمع فريدة من وراء الباب تتحدث مع جارتها وتقول لها: لقد دعاني للعشاء قبل عدّة أيام إنّه شخص لا مثيل له كما أنني محظوظة به، فهو يتحمل مسؤولية أطفاله، بالإضافة إلى اهتمامه بأرضي الزراعية، وعندما سمع حسن الحديث شعر أنه قد ظلمها كثيراً عندما قام باستغفالها، وشعر بالذنب الشديد تجاهها مما جعله لا يستطيع النوم لعدة أيام، وعندها قرر تسجيل أرضه الجديدة باسم زوجته فريدة
ثم عاد إلى المنزل وقرر مفاجئتها بذلك وعندما رأته استغربت وقالت له: ما الذي جاء بك مبكراً يا حسن؟
قال لها: لقد أعددت لكِ مفاجأة، هيّا أغمضي عينيكِ.
استغربت من ذلك وفعلت ما طلبه منها، وعندما فتحت عينيها وجدت أمامها عقداً بملكية الأرض.
اقترب منها حسن وقال لها والحماس يملؤه: ما رأيك بهذه المفاجأة؟
غضبت فريدة منه وألقت العقد أرضاً وقالت: ألم تقل لي أنّ أرضي الزراعية لم تعُد تجني المال الكافي؟ لم أكن أتوقع منك ذلك.
ارتبك حسن وقال: ماذا تقصدين؟
-كيف تجرؤ على سرقة صديقك علي بعد أن أمّنك على أمواله؟ لن أسامحك حتى تكتب هذه الأرض باسمه فإنها من حقه، وإن لم تفعل ذلك ورأيتُ العقد بأمّ عيني، فسأترك لك المنزل بلا عودة، وأصرّت على موقفها.
ضحك حسن حتى قهقه وقال: سبحانك ربي "المال الذي تأتي به الريح تأخذه الزوابع".