غسّان المُحتال

تروي سميحة لجارتها قصتها مع زوجها غسّان المحتال، وعمليات النصب التي يقوم بها يومياً على كل شخص يراه أمامه في سبيل كسب المال، حيث كان يعمل في العديد من المهن مُختبئاً وراءها للقيام بعمليات احتياله بسهولة.


المذياع

تقول سميحة: عمل زوجي في مجال إصلاح الصرف الصحي بأحد الفلل الفخمة مرّة، وأثناء عمله ظلّ يتلفّت حوله علّه يجد ما يسرقه دون جدوى، فاضطّر لإكمال عمله والأسى يكاد يُلهب فؤاده، فأنهى عمله وتقاضى أجره وهمّ بالخروج من حيث أتى، وأثناء خروجه من البوابة وجد شاباً يحوم حول كومة من الأثاث كانت قد وُضِعت في حديقة المنزل، فاقترب منه وسأله عن مطلبه وقال: ماذا تريد أيها الشاب؟

ردّ عليه وقال: أنا آسف على تدخلي، لكنني وأثناء مروري من هنا بالصدفة رأيت هذا الأثاث في حديقة منزلك، واعتقدت أنك تُريد بيعه.

نظر غسّان حوله وقد قرّر اقتناص الفرصة، وقال: نعم، إنني أقوم بتجديد أثاث منزلي، وقد وضعت القديم هنا لأبيعه.

قال الشاب: إذن أريد أن أشتريه فأنا سأتزوج قريباً، وأُريد تأثيث منزلي بأثاثٍ مستعمل لتوفير النقود.

بدأ غسّان بحك لحيته وقال: حسناً سأبيعُك إياه، ولن نختلف على السعر اذهب وأحضِر مركبة لتحميله لكن بسرعة.

وأردف: سأُعطيك إياه بألفيّ دينار فقط، هيّا اذهب وإلا غيّرت رأيي.


فرح الشاب وذهب مسرعاً لإحضار المبلغ كونه سعرٌ لا يفوّت أبداً، وفور عودته أعطاه المال وبدأ بتحميل الأثاث وأثناء ذلك نظر غسّان إلى ساعته وقال له: إنني مضطّر للذهاب الآن، أمّا أنت فأكمِل عملك.

ثم قام بالهروب مُسرعاً قبل أن يخرج صاحب المنزل إلى حديقته ويجد الشاب يقوم بتحميل أثاثه، ولمّا خرج الرجل بدأ بالصراخ عليه والتلويح بيديه: هيه، أيها السارق ماذا تفعل؟ أتسرق أثاثي في وضح النهار!

قال له الشاب: ما بك يا رجل! أيّ سارق هذا! لقد باعني صاحب المنزل أثاثه القديم وأنا آخذه الآن، أهو أخوك؟!

قال له: عن أيّ أخٍ تتكلم أنا أسكن وحدي، هيّا أنزِل أثاثي من المركبة وإلا طلبت لك الشرطة.

بدأ الشاب بالصراخ وقال: لقد دفعت ما ادخرته طوال حياتي ثمناً لهذا للأثاث، والآن تطلب مني إعادته!

طلب صاحب المنزل منه الهدوء وقال: أخبرني ماذا جرى معك بالتفصيل؟

فأخبره بما فعله معه غسان، فقال صاحب المنزل: وأين هو الرجل الآن؟ وماذا كان يرتدي هذا النصّاب؟

قال الشاب: كان يرتدي بنطال قماش أسود، وقميصاً أخضر اللون.

ضحك صاحب المنزل ووضع يده على كتف الشاب وأخبره أنّ هذا الرجل هو عامل جاء لإصلاح الصرف الصحي في المنزل، ومن الواضح أنه قام بالاحتيال عليك وبيعك أثاثي.

سقط الشاب مغشيّاً عليه بعدما أيقن أن جميع أمواله التي ادّخرها طيلة حياته ذهبت هباءً منثوراً.


أمّا غسّان المُحتال وأثناء عودته للمنزل مرّ بجانب حاوية قمامة فوجد مِذياعاً قديماً مُلقى أمامها، وعندها خطرت له حيلة جديدة، فقام بأخذه وذهب إلى منطقة يجتمّع بها الباعة المتجوّلين، وبدأ يُردد بصوتٍ عالٍ: مذياعٌ بثلاثين ألف من يُريد شراءه؟

تجمّع الناس لِيرَوْا من هذا الرجل المجنون الذي يُريد بيع مِذياع بهذا السعر، وما زاد الطين بلة رؤيتهم حال المذياع الرثّ، مما دعاهم للضحك والتهكّم، إلا أنّ اقترب من غسان رجل راوده الفضول لمعرفة سرّ هذا المذياع فسأله: ما خطبك! كيف تبيع مذياعاً مُهترئاً بهذا السعر؟


قال غسّان بصوت خفيض: لقد ورّثني إياه جدّي منذ أسبوع، حيث كان يُحبُّني أكثر من أخي بكثير، ولكن وقبل وفاته كتب لأخي منزله، أمّا أنا فلم يُعطني سِوى هذا المِذياع، وعندما سألته عن السبب قال لي أن قيمة مذياع كهذا أكبر من قيمة المنزل، وبالرغم من عدم تصديقي له إلا أنني أحببت أن أُجرّبُ حظي، وأبيعه بثمنٍ مرتفع فالحاجة إلى المال تُرغمك على فعل أشياء غير منطقية.

فكّر الرجل بكلام غسّان وقال في نفسه: لا بدّ أن وراء هذا المذياع سرّ كبير، ثم اقترب منه وطلب أن يتفحّصه، وقام بفتحه ليجد بداخله رُزمة كبيرة من الأموال لم يستطع الرجل عدّها، صُدم الرجل مما رآه وقام بإخفاء ذلك عن غسّان، ثم طلب منه شراء المذياع بالمبلغ الذي كان يناديه.


تظاهر غسّان بالفرحة وقال: إذن هو أثريّ بالفعل كما قال جدي، أشكرك على شرائه.

قال الرجل كاذباً: نعم، إنه أثريّ، لكنه يقدّر بعشرين ألف فقط ولأنني أريد مساعدتك سأشتريه بثلاثين ألف، ثم دفع له المبلغ وولّى فرحاً بغنيمته، أمّا غسان المحتال ففرّ هارباً يملأ جيبه بالمال ويفكّر في حيلة جديدة تنطلي على بعض الأغبياء الجدد، بعد أن ملأ المذياع بالنقود المزورة ليغري بها فريسته.