الوزير المُزيّف

يُعرف مهدي بين أهل قريته بجُبنه وضعف شخصيته، وخاصة أمام زوجته سارة التي كانت تهينه أمام الجميع دون اكتراث، ممّا جعله يقدم لها جميع ما يجنيه من الأموال شهرياً من مخبزه الذي يمتلكه في القرية.


الفصل الأول

في أحد الأيام كان رجال القرية مجتمعين سوياً في القهوة بعد أن أخبرهم حازم حلّاق القرية بضرورة المجيء لخبر مهم يريد مناقشته معهم، وأثناء ذلك دخل مهدي إلى القهوة وألقى السلام عليهم، وحينها بدأ رجال القهوة يتوشوشون سوياً ثم قاموا بالضحك بصوت مرتفع، مما أثار استغراب مهدي وجعله يلتفت حوله باحثاً عن سبب ضحكهم، ثم ابتسم لهم وجلس معهم

في تلك الأثناء وكز الحلّاق صديقه الفوّال عصام وقال له: انظر ماذا سأفعل بمهدي وراقب وجهه.

ثم وقف أمام الجميع وخلع نظارته وقال: لقد ضربت زوجتي ليلة أمس لأنها نسيت وضع الملح في الطعام.

ابتسم الفوّال بمكر وقال: اوووه، يا لك من رجل شجاع.

فتحمّس علاء صاحب محل الخضراوات وقال بصوت مرتفع: هاهاها، وأنا قمت بحبس زوجتي ثلاثة أيام لأنها نسيت تنظيف حذائي.

وضع الفوّال يده على كتف علاء وقال له بفخر: أوه، يا لك من رجل مُهاب، الحق يُقال جميع رجال قريتنا رجال أقوياء لا يهابون أحداً.

قالوا جميعهم بصوت واحد وهم يُناظرون مهدي: ممممممم بالطبع نحن لا نسمح لزوجاتنا أن يتحكمن بنا.

هزّ مهدي رأسه وهو ينظر أرضاً من شدة خجله، وجبينه يتصبب عرقاً كونه يعرف أنّه المقصود بكلامهم، وفي تلك الأثناء سمع الطفل لبيب حديثهم، والذي كان يتركه والده يتجوّل في أرجاء القرية طوال اليوم لينقل لهم أخبار أهلها، ثم أشار بيده نحو مهدي وهو يأكل شطيرته وقال: ممم لقد رأيت زوجته بالأمس تضربه بالعصا لعدم نشره الغسيل.

في تلك الأثناء احمرّ وجه مهدي خجلاً محدقاً به بغضب ومحاولاً إسكاته، بينما بدأ رجال القرية بالقهقهة بتهكم عندما سمعوا ذلك.

وفجأة أوقفهم الحلّاق حازم وقال لهم: لقد سرقنا الحديث ونسينا السبب من وراء اجتماعنا هذا.

فقال الفوّال عصام: آه صحيح، ما هو السبب وراء طلبك الاجتماع بنا في القهوة؟

وقف حازم مخاطبهم وقال بصوت مرتفع: تفتقر قريتنا إلى المراكز الصحية الضرورية، كما أنّ أغلبية شبابنا يعانون من البطالة، لذلك فكّرت ليلة أمس بأن ندعو الوزير مروان للمجيء إلى قريتنا لعلّه يجد لنا حلاً لهذا.

قال لهم مهدي بصوت مرتجف وهو يُتَأْتِئ: ككككما أننا انتخبناه في الدورة السابقة، فلا بد أن يرُدّ لنا الجميل.

نظر له علاء وقال له بفوقية: اصمت، وما علاقة ذلك بمساعدته لنا، إنّ الوزير مروان لا يتردد لثوانٍ بتقديم يد العون لنا دون مقابل.

رحّب رجال القرية بالاقتراح، وقاموا بتكليف حازم بالتواصل مع الوزير وتحديد موعد للزيارة، وفي صباح اليوم التالي جاء حازم يركض من بعيد حتى وصل إلى منتصف سوق القرية وقام بنداء الجميع بصوت مرتفع وقال: هيييه، يا أهل القرية لقد تواصلت مع الوزير مروان، وأخبرني أنه سيزورنا الأسبوع القادم.

بدأ أهل القرية بالتصفيق فرحاً عندما سمعوا ذلك، بينما قال لهم الطفل لبيب وهو يأكل المثلجات بنهم: لا بد من أن يُقيم العم عصام له وليمة غداء ترحيباً به، حيث رأيته بالأمس يُحضر الكثير من اللحوم إلى منزله.

ابتسم عصام مُغتاظاً من كلام ذلك الطفل وقام بوخزه ثم قال مرتبكاً: هش، لا بد من أن نقيم جميعنا وليمة غداء للوزير ترحيباً به.

نظر أهل القرية إلى بعضهم البعض وهم يهزّون رؤوسهم موافقين على ذلك، ثم قال لهم الحلّاق حازم والحماس يملؤه: كما أنّ علينا إهداءه شيئاً من خيرات قريتنا ليتذكرنا به، وحينها اقترح علاء على رجال القرية أن يُقسّموا أنفسهم إلى مجموعتين وكل واحدة منهم تقدم للوزير هدية مختلفة، وفي ذلك يكونوا قد أهدوه مجتمعين هديّتين مختلفتين.

رحّب أهل القرية بتلك الفكرة، وقرّرت إحدى المجموعات إهداءه التفاح الفاخر فيما قررت الأخرى إهداءه أجود أنواع الطحين، لذلك اتفقت كل مجموعة منهما أن تضع كيساً كبيراً فارغاً أمام المخبز، وآخر أمام محل علاء للخضراوات لملئهما بالطحين والتفاح.


الفصل الثاني

في تلك الأثناء دخل مهدي إلى منزله وقام بنداء زوجته سارة وهو يرتجف وقال لها متلعثماً: لقد قرر رجال القرية إهداء الوزير مروان الذي سيزورنا الأسبوع القادم الطحين والتفاح.

قالت له بسخرية: ها! لقد قلت رجال القرية، ما شأنك أنت بذلك إذن.

تنهّد مهدي وقال: لقد ظهر اسمي مع المجموعة التي ستهديه الطحين، لذلك على كل منا أن يضع كيس طحين صغير داخل ذلك الكيس الذي وضعوه أمام مخبزي.

وقبل إكمال حديثه صرخت زوجته في وجهه وقالت له: هيه، أتريدني أن أخسر كيس طحين من أجل ذلك الوزير، هيّا اذهب من أمامي وإلا..

بدأ مهدي يقنعها بضرورة ذلك وقال لها مرتجفاً: لكن جميع رجال القرية سيهدونه الطحين والتفاح دون حتى استشارة زوجاتهم.

بعد إلحاح من زوجها قالت له: أوف، إذا كان لا بد من ذلك، اذهب وضع كيساً من الرمل الأبيض بدلاً من الطحين.

شهق مهدي مما سمعه وقال: ها! كيف لي أن أجرؤ على ذلك!

قالت له زوجته: إذا وضعت ذلك الكيس فسيختلط مع باقي الطحين الذي سيضعه رجال القرية ولن يلاحظ الوزير ذلك.

فكّر مهدي بكلامها ثم لم يجد أمامه سوى أن يوافق على اقتراحها، وذهب في اليوم الذي يليه وبدأ يحوم حول الكيس الموجود أمام مخبزه ملتفتاً حوله، ثم قام بوضع كيس الرمل الأبيض داخله خلسة دون أن يراه أحد، ودخل مسرعاً إلى مخبزه.

عند حلول يوم الزيارة استيقظ جميع أهل القرية باكراً وبدأوا بتزيين شوارعها استعداداً لاستقبال الوزير مروان، وفور وصوله أقاموا له وليمة غداء كبيرة تليق به، وبعد ذلك قاموا جميعهم بتقديم أكياس الهدايا له حتى اقترب منها وبدأ بفتحها شاكراً لهم على لطفهم، ثمّ بدأوا بمناقشة مشاكل القرية معه حتى وعدهم بإيجاد حل لهم، ومن ثم استقل مركبته منصرفاً مع سائقه والابتسامة على وجهه.


الفصل الثالث

وأثناء طريق عودة الوزير إلى المدينة، أمر سائقه بالتوقف أمام سلة القمامة لإلقاء كيس الطحين والتفّاح به، فالتفت له السائق مستغرباً من طلبه وقال له: لماذا تأمرني بذلك يا سيّدي؟!

ضحك الوزير بسخرية وقال: إن كلّ تلك الأكياس مليئة بالأحجار والرمل الأبيض.

رفع السائق حاجبيه ممتعضاً من تصرّف أهل القرية وقال: لمَ أخذتها منهم إذن! كان من باب أولى أن تلقّنهم درساً.

فابتسم الوزير وقال: ظنّوا أنّهم ضحكوا عليّ بفعلتهم هذه، فيما ضحكت عليهم أنا حين تجاهلتها وضمنتُ انتخابهم لي في السنوات المقبلة، ثمّ ماذا تنتظر من قرية كلّ رجالها "مهدي"!